استئناف النشاط الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي عقب انتهاء أزمة فيروس كورونا المُستجد
دبي – نيوز جيت360:
أحدَثت جائحة فيروس كورونا المُستجد تغييرًا ملحوظًا في القوى المُحركة للاقتصاد العالمي، ودُول مجلس التعاون الخليجي ليست بمنأى عن آثارِه وتداعياته. فابتداءً من أوائل عام 2020، كان من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة بنسبة 2.5 بالمئة وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، ولكن بحلول شهر أبريل (نيسان)، تقلَّصت هذه النسبة إلى – 2.8 بالمئة. وبغض النظر عن ذلك، فإن الحكومات تستطيع التأثير بشكلٍ كبيرٍ على كيفية تعافي الاقتصاد من خلال اتخاذ التدابير المناسبة أثناء الأزمة وفي أعقابها.
وقال باولو بيغوريني، شريك في شركة استراتيجي& الشرق الأوسط، جزء من شبكة شركات بي دبليو سي: “ونجد حتى الآن أن الحكومات الخليجية قد اتخذت عددًا من الخطوات الهامة للتخفيف من وطأة الأزمة، إذ أعطت الأولوية القصوى لتوفير الرعاية الصحية لمواطنيها، وفرضّت درجاتٍ مُتفاوتة من الإغلاق لاحتواء هذه الجائحة والحيلولة دون اختلال نظام الرعاية الصحية بسبب الضغط الناجم عن تفشي العدوى كما قامت بتوفير الدعم الاقتصادي اللازم من خلال صرف إعانات البطالة للأفراد والأُسر وصرف المساعدات المالية للمؤسسات الصغيرة.”
ويأتي التحدي التالي الماثل أمام الحكومات في استئناف نشاطها الاقتصادي في تخفيف تدابير الإغلاق تدريجيًا والسماح للمؤسسات باستئناف أعمالها التجارية حيث سيظل خطر عودة تفشي الفيروس قائمًا بشكلٍ كبيرٍ كما كان الحال مع الأوبئة السابقة ولحين العثور على لقاحٍ للفيروس وإنتاجه بكمياتٍ ضخمة.
وأوضح سامي زكي، مُدير أول في استراتيجي&: أن الحكومات تحتاج إلى وضع أُسس للصحة العامة، ويشمل ذلك إجراءات الفحص والتتبُع لتحديد أي طفراتٍ جديدة مُحتملة للعدوى واحتوائها بوتيرةٍ سريعة. وبالتوازي مع ذلك، يتعين على الحكومات التأكد من أن نظم الرعاية الصحية لديها قد أصبحت جاهزة ومُتأهبة لاستيعاب الإصابات الجديدة في حالة حدوثها.
وتستطيع الحكومات بمجرد وضع هذه الأسس أن تبدأ في التركيز على خمسة تدابير هامة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وإعادة الموظفين إلى عملهم مع الحد من مخاطر فيروس كورونا المُستجد.
تقييم القطاعات وترتيبها حسب أولويتها: يتعين على الحكومات تقييم قطاعات الاقتصاد وترتيبها حسب أولويتها لتحديد القطاعات التي ينبغي إعطائها الأولوية لاستئناف عملياتها التشغيلية على أن تتضمن معايير التقييم هذه دراسة المُساهمة الاقتصادية النسبية لهذه القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي، ودراسة خطر انتقال الفيروس بناءً على مدى قرب الموظفين من بعضهم البعض داخل مكان العمل. ويجب أن يتبع ذلك التقييم تقييمًا آخرًا للقطاعات الفرعية لتحديد مستويات التعرُض للإصابة وجاهزية نُظم الرعاية الصحية لمواجهة أي عودة مُحتملة للفيروس.
سنّ بروتوكولات صارمة للقوى العاملة: يتعين على الحكومات وعلى أرباب العمل وضع بروتوكولات صارمة للموظفين العائدين لعملهم وتنفيذها لضمان سلامتهم الشخصية وعدم تعرضهم للعدوى. وتنقسم هذه البروتوكولات إلى فئاتٍ مُختلفة تتراوح من الجاهزية الطبية إلى الهندسة والنظافة والسفر. علاوةً على ذلك، نرى أنه من الضروري أن تقوم دول الخليج بالتركيز على تحسين الظروف المعيشية في القطاعات التي يزيد فيها درجة القرب بين العمال وترتفع فيها مخاطر الإصابة بالفيروس. وسيكون هذا أمرًا بالغ الأهمية لمنع تكرار ما حدث في سنغافورة حيث ظهرت إصابات بالفيروس في مساكن العمال المُهاجرين بعد أن خففت الحكومة من شدة القيود مبدئيًا.
إجراء الفحوص والتتبُع المُكثف: للحد من خطر عودة تفشي الفيروس، تحتاج الحكومات إلى تطبيق آلياتٍ للفحص والتتبُع الشامل على أن يشمل هذا الفحص كلاً من الفحوصات السريعة اللازمة لاكتشاف الأجسام المُضادة والذي يتطلب سحب عينة من الدم، والفحوصات التقليدية بتقنية PCR لتعزيز سُرعة الكشف عن الإصابات الجديدة. وتتوافر الآن نُظم التتبُع الرقمية عبر الهواتف الذكية لتحديد الأفراد المصابين وتنبيهم وتحديد الأشخاص الذين خالطوهم أو تعاملوا معهم عن قُرب.
الشروع في عودة القوى العاملة بوتيرةٍ تدريجيةٍ وحماية الأفراد المُعرضين لخطر الإصابة: يجب أن تأخُذ خطط استئناف النشاط الاقتصادي عاملين مُهمين في الاعتبار عند الشروع في عودة القوى العاملة ألا وهما: أعمار العمال وظروفهم الصحية لضمان سلامة العمال العائدين إلى أماكن عملهم وسلامة أسرهم، فهذين العاملين يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بنسب دخول المستشفيات وبمُعدلات الوفيات بسبب العدوى التي يتسبب فيها فيروس كورونا المُستجد. لذلك ينبغي للحكومات أن تُصمم الجداول الزمنية للعودة إلى العمل حسب احتياجها لكل فئة من الموظفين، مع مُراعاة الأشخاص المُعرضين لخطر الإصابة والذين هم على مقربةٍ من هؤلاء الموظفين، سواءً في المنزل أو العمل. ويجب على الحكومات والشركات والمواطنين أيضًا اتخاذ التدابير اللازمة للحدّ من مخاطر انتقال العدوى أثناء الذهاب إلى العمل والعودة منه.
التفاعُل الصريح وبناء الثقة مع المواطنين: تُمثل إجراءات التفاعُل والتواصُل المُستمرة ركيزةً جوهريةً لبناء الثقة وإلهام المواطنين بالتصرف بشكلٍ مسؤولٍ. وينبغي للحكومات أن تقوم بإعلان التدابير المُتعلقة بالصحة وأسبابها المنطقية بشكلٍ استباقيٍ لمُساعدة المواطنين على التعامُل مع حالة الترقُب والقلق التي تنتابهم إزاء تفشي العدوى كما تستطيع الحكومات أيضًا توجيه المواطنين لتشجيعهم في الحفاظ على السلوكيات الصحية التي اعتمدوها أثناء مرحلة الإغلاق.
و ختم كريم حجار، مُدير في استراتيجي& قائلا: “وهُنا، نرى أنه يجدُر بالحكومات الخليجية الانتقال من إدارة الأزمة إلى إدارة التعافي الاقتصادي بعد حماية مواطنيها من خطر العدوى الجماعية. ومما لا شك فيه أن المنهج الذي ستُطبقه سيكون له أثرًا عظيم الشأن على ما ستُحققه من نتائج حيث تستطيع الحكومات الخليجية استئناف نشاطها الاقتصادي بأقصى قدرٍ من الأمان والسلامة من خلال إرساء أُسس الصحة العامة الضرورية أولاً ثم اعتماد هذه التدابير الخمس.”