الاخبارمتنوع
أخر الأخبار

 في «أزمة منتصف العمر الرائعة» النساء أكثر قبولا للمرحلة

عرض/ خالد ربيع السيد –

 

كتاب “أزمة منتصف العمر الرائعة” كما عنونته مؤلفته الأمريكية «إيدا لوشان»  خبيرة التربية والمستشارة الأسرية، والتي لها أكثر من 25 كتاباً. أما المترجمة فهي الباحثة «سهير صبري» (مصرية)، مترجمة محترفة وروائية لها مجموعة قصصية بعنوان (…وأرقص).

كما سجل الدكتور يحيى الرخاوي استشاري الطب النفسي، في مقدمته “المترجمة”  تعريف مرحلة منتصف العمر، بأنها مرحلة هامة للغاية في حياة الانسان، من الأربعين حتى الخمسين، بل تعد أهم مراحل العمر وأطولها، فتلك المرحلة على الرغم من اكتمال النضج فيها إلا أن الإنسان قد ينهمك خلالها حتى ينسى أمرين أساسيين أولهما، أن يتمتع بهذه المرحلة في حد ذاتها لذاتها، وثانيهما، أن يدخر في هذه المرحلة القوة والقدرة التي تعينه على استكمال حياته في المرحلة التالية من عمره «مرحلة الشيخوخة» والتي تكون أكثر ضعفا ووهنا.

نقلت المترجمة هذا الكتاب بترجمة سلسة، لتجعل من قراءته متعة معرفية وفكرية وفنية، فهو كرواية أدبية مليئة بكل ما يلامس القارئ في هذه المرحلة بمعرفة وفكر، وذلك في سرد شيق وممتع أجادته كلا من الكاتبة والمترجمة.

تقدم إلينا الكاتبة الأميركية أيدا لوشان خبرتها الحياتية، وما استطاعت أن تستطلعه من معارفها وقراءاتها، ووضعت كتابها الأقرب إلى السيرة الذاتية، والشديد التفاؤل “أزمة منتصف العمر الرائعة”. تطرح الكاتبة سؤالاً فائق الأهمية: هل يمكن أن تحصل نهضة في مرحلة منتصف العمر؟ فاستقلال الأبناء يسمح لنا بمواجهة أنفسنا، وينبهنا فتور العلاقة الزوجية إلى أخطاء قديمة متراكمة أكثر مما يدفعنا إلى تبرير التعاسة والبحث عن البدائل.

بدايةً؛ نتعرض لمصطلح «أزمة منتصف العمر» الذي ظهر لأول مرة عام 1965 على يد الباحث جاك اليوت، ضمن دراسة له تناولت مجموعة من المبدعين لاحظ أن إنتاجيتهم تقل مع اقترابهم من سن الأربعين، وتستمر هذه الحالة معهم نحو خمس سنوات قبل أن يتجاوزوها.

على كل حال؛ في منتصف العمر يفاجئنا سؤال داخلي: من نكون؟ وماذا فعلنا بحياتنا؟ فنشرع في حساب أنفسنا، ويؤلمنا شعورنا بان حياتنا لم تبقَ بلا حدود، وأننا في الثلث الأخير منها.

في هذه المرحلة من منتصف العمر يصبح إدراك الموت دلالة على حقيقة محتمة في أي لحظة، لا معنى مجرداً نتحدث عنه بلا معايشة. أنجزت لوشان كتابها على أعتاب الخمسين، شارعة في فض غبار الأفكار والاتجاهات التي تشربتها حتى النخاع في طفولتها ومراهقتها، والتي تقول إن النمو الذهني والتعلم امتيازات للطفولة فقط، فتؤكد من خلال تجاربها وتجارب زوجها المحلل النفسي، أن العكس تماماً هو الصحيح، فما يحصل بعد السن العشرين لا يقل أهمية وخطورة عما حصل قبل هذه السن، وتقول أيدا لوشان في بداية كتابها: “إن التحليل النفسي بسبره أغوار “سنوات التكوين” أدى إلى تشويه رؤيتنا، وقادنا إلى الطريق السهل من الاعتقاد بالجبرية المطلقة. فالكثير منا، وقد نشأ في ظل الثورة التي حصلت في علم النفس في الخمسين عاماً الماضية، يصل إلى الخلاصة الخرقاء حيث أن معظم توجهاتنا وقيمنا الأساسية تعود بجذورها إلى خبرات الطفولة، فإننا نتوقف عن القيام باختيارات حقيقية ذات معنى ونحن كبار”.

وتوضح الكاتبة أن منتصف العمر هو الفترة التي يمكن المرء فيها أن يكون ذاته بكل العمق والصدق، ففي هذه المرحلة نكون أشد استقلالية من أي وقت مضى، ويغدو في وسعنا اكتشاف طبيعتنا وتأكيد تفردنا، كما أننا نملك من أجل إعادة تقويم ذاتنا كل النضج والحكمة والقوة التي جمعناها خلال ما عشناه. في منتصف العمر يفاجئنا سؤال: من نكون؟ وماذا فعلنا بحياتنا؟ فجأة نشرع في الحساب، ويؤلمنا شعورنا بان حياتنا لم تبقَ بلا حدود.

نهضة منتصف العمر

الظروف الموضوعية التي تجعل من مرحلة منتصف العمر هذه “فرصة حقيقية لنهضة محتملة”، ففي هذه المرحلة يواجه المرء العديد من الصعوبات أو السلبيات، وهذه الصعوبات أو السلبيات هي التي يمكن أن تكون الباعث إلى البدايات الطيبة، والإشراقات المتجددة إذا أحسن استخدامها وتم تطويعها في مناخ مناسب: فانفصال الأولاد، وإعلان فتور العلاقة الزوجية ووفرة الوقت الذي يسمح بالتفكير والمراجعة الخطيرين، وامتلاك القدرة التي تسمح باختيار الحرية، كل ذلك يعتبر من تحديات هذه المرحلة التي ينتج عن الاستسلام لسلبياتها نهاية بائسة.

بين الرجال والنساء

تقارن الكاتبة بين موقف النساء والرجال في منتصف العمر، فتجد أن المرأة أشد قبولاً لهذه المرحلة، لأن النساء يملكن القدرة على أن يتحدثن، فتتدفق مشاعرهن تدفقاً ويشعرن بمخاوفهن وغضبهن في وضوح تام، وهن في حالة دائمة من الفحوص والتقويم لحياتهن. أما الرجال فاقل مرونة وأدنى تبصراً، ويحجبون أنفسهم عن إدراك مشاعرهم، كأن لسان حالهم يقول: «لم ابقَ الرجل الذي تعودت أن أكونه».

ويحتل موضوع الاحتفاظ بالجاذبية الجنسية الأهمية الأولى لدى الرجل في منتصف العمر، إذ يشعر بإحباط ويأس شديدين من تراجع قدرته الجنسية.. فيوهم نفسه بأنه لا يزال مرغوباً وفتياً… إن شبح الخوف من العجز الجنسي، مع تقدم السن، يتلاشى بقدر ما يجد كل رجل جوهره الخاص، وتفرده، وقدرته الإنسانية على الحب والعمل والعلاقة الوثيقة بالحياة.

وعندما يؤخذ الجنس في سياق المشاعر العميقة والعلاقة الوثيقة بالحياة، ويكون الرجل ذاته بقدر ما يستطيع، يزول التركيز الآلي على الأداء الجسدي، وينتقل إلى القضية الجوهرية وقضية الانتماء إلى الذات والى الآخر الذي أحبه.

اكتئاب الرجال

تتنبه الكاتبة إلى عامل رئيسي لاكتئاب رجال منتصف العمر، وهو الاعتقاد العميق أن الزوج هو المسؤول عن إسعاد زوجته، لأن معظم الرجال نشأوا في أُسرٍ كان الأب فيها مصدر الرزق، أي أن دوره هو أن يمضي حياته وطاقته في توفير الحاجات الحقيقية وغير الحقيقية لزوجته وأبنائه.

إنعاش الروح

تخصص لوشان فصلاً كاملاً في الكتاب لإنعاش الروح تعلمنا فيه كيفية تركيز الانتباه داخل الذات، وكيف ننأى بأنفسنا عن المؤثرات الخارجية التي تمنع صلتنا بمشاعرنا وأفكارنا العميقة. وتعتبر الكاتبة أحلام اليقظة مصدراً رائعاً لإنعاش الروح. والأطفال يفهمون ذلك بالفطرة، أما الكبار فيعتبرونها “فعل لا شيء”.

لذلك يجب أن نولّد في داخلنا إحساساً عميقا بالحيوية والرضى، لمجرد أن نكون مع ذاتنا، ففي واقع الأمر ثمة رفيق واحد يمكنك الاعتماد عليه طوال حياتك هو نفسك، فيجب أن تربطك بها صداقة قوية وهادفة.

للأمل بقية

تظهر الكاتبة أن أهم أسباب التدهور الذهني والجسدي للأشخاص، هو اعتزال الأدوار، التي كانت تمنح المرء الهدف وسبب وجوده.

فالمسنون كانوا يستمدون هويتهم من وظيفتهم لا من كيانهم ذاته. كانوا يرون أن المرء مثل وظيفته فهو “فلان الطبيب”، أو “فلان الجزار” ويمكن أن نسمع استياء مثل: لأنني لم اعد فلاناً الخياط، فلم ابقَ أعني شيئاً. يجب إذن أن نتعلم ألا نستمد هويتنا مما نفعله بل مما نكونه. وتخلص الكاتبة إلى أهمية الإرادة، وأن ننظر إلى كل يوم كأنه أول يوم في عمرنا المقبل، وأن نجد متعة ومعنى في الراهن، وفي الاحتمالات التي تأتي مع كل يوم جديد.

الخوف من الموت ليس مرتبطاً بالموت وحده، بل له علاقة بأننا لم نعش حياتنا، وبالندم على عدم اكتشاف الذات وتحقيقها، فالسعداء بما هم عليه، والقانعون بما حققوه في حياتهم، لا يعيرون الموت أهمية كبرى. “أزمة منتصف العمر الرائعة” كتاب يستحق القراءة، لأنه يعلمنا كيف نعجن أيامنا بالأمل والتفاؤل.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى